التفسير: الحسد الذي أدّى ببني إسرائيل إلى الكفر، وأوردهم موارد الهلاك- هذا الحسد قد جعلهم يحادّون الله علنا، ويجهرون بالتطاول على ملائكته، الذين يصدعون بأمره، ويحملون رحمته إلى عباده.. فهم يعلمون أن جبريل- عليه السلام- هو حامل كلمات الله إلى الرسول الكريم، وهم- مع علمهم هذا- يضمرون البغضة والعداوة لهذا الملك الكريم، لأنه حمل رحمة الله إلى عبد من عباد الله، وهم يرون أنهم أحق بهذه الرحمة وأهلها، وأن الله هو إلههم وحدهم، ورحمته مقصورة عليهم!! فكيف يحمل جبريل رحمة السماء إلى أرض غير أرضهم، وإلى جنس غير جنسهم؟
وانظر إلى قوله تعالى:«مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» حيث الشرط الذي يفيد العموم، وهو يراد به بنو إسرائيل خاصة.. وفى هذا ما ينادى بأن هؤلاء القوم لا يحتاجون فى هذا المقام إلى وصف أو تخصيص، فإذا ذكرت فعلة شنعاء دون متعلّق لها، فإنها لا تعلق إلا بهم، ولا تأخذ إلا بمخانقهم، من دون الناس جميعا، وإذا أطلقت صفة ذميمة على عمومها، فإنها تحوّم وتحوّم، ثم لا تسقط إلا على رءوسهم هم أولا.
وفى قوله تعالى:«فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ» توكيد لتمكن القرآن الكريم من كيان الرسول، وأنه تلقاه سماعا من الوحى، فإن هذا السماع ينفذ إلى القلب، ويستقر فيه، وحتى لكأن القلب هو الأذن التي تلقّت كلمات الله! أو لكأن الأذن هى قلب، فى الحفظ والوعى لما تسمع!