هذا، وقد تعلق بعض المفسرين بظاهر اللفظ فى قوله تعالى:«نَزَّلَهُ» ففهم أن الوحى لم يكن من لفظ مسموع يلقيه جبريل إلى النبىّ الكريم، وإنما كان إلهاما يجده الرسول فى قلبه، فيتحدث به لسانه، واستند أصحاب هذا الرأى إلى قوله تعالى للنبى الكريم، فى آية أخرى:«لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ»
فقالوا: إن النبىّ كان حين يلقى إليه الوحى على هيئة خواطر فى قلبه، يبادر فيشكلّها كلمات يجريها على لسانه فى عجلة، مخافة أن تفلت منه، أو تتغير هيئتها! وهذا الرأى قد فتح للمستشرقين وغيرهم بابا للقول، بأن القرآن فى هيئته اللفظية، ليس كلام الله، وإنما هو من صياغة «محمد» ، حيث كان يصوغ الخواطر التي يتلقاها من الوحى، فى الصورة اللفظية المناسبة.
ولهذا- كما يقولون- جاء القرآن أنماطا مختلفة من الأساليب، بعضها ممتد النفس، هادىء، ليّن، وبعضها متقطع الأنفاس، صارخ عنيف.. وذلك حسب حال النبىّ، وما تثيره الخواطر المتنزلة عليه.. وعلى عكس هذا لو كان القرآن لفظا ومعنى من عند الله، فإنه يكون نمطا واحدا، لا يتأثر بالعوامل النفسية الإنسانية، التي يكون عليها النبىّ حين يتصل بالوحى.. وهذا جهل أو تجاهل، بالحق الواضح، إذ أن كلام الله الذي يخاطب به عباده، إنما يبلغ آثاره فيهم، إذا جاء على أنماط كلامهم، وجرى على أساليب بيانهم، فلان فى مواضع اللّين، واشتدّ فى أحوال الشدة، وهذا ما عبر عنه علماء البلاغة فى وصفهم للكلام البليغ، بأنه: المطابق لمقتضى الحال.
وهذا القول إنما يقوله من المستشرقين من يسلّمون لمحمد بالنبوة والرسالة.
أما من لا يؤمنون بالوحى، ولا يعتقدون فى الرسالات السماوية فيقولون: