والقيم، ولا يتقيدون بقيد الفضيلة والشرف، لما يغلب عليهم من أثرة قاتلة، وأنانية متحكمة، يستبيحون بها كل شىء، وينزلون بها عن كل شىء، من خلق أو دين.
وفى قوله تعالى:«نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ..» حيث عدل عن التعميم إلى التخصيص، فى قوله «الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» بدلا من «منهم» - فى هذا ما يشير بأن علماء القوم وأهل الذكر فيهم، هم الذين يتولّون هذا الإثم العظيم، وينبذون كتاب الله وراء ظهورهم، بالخلاف عليه، والتحريف فيه، عن علم، و «كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ! ولو أن هؤلاء العلماء من بنى إسرائيل قد انتهت جريمتهم عند هذا المكر بكتاب الله والخلاف عليه، مع ما فى هذا العمل الآثم من شناعة وفظاعة لكانت مصيبتهم مصيبة واحدة، وإن غلظت وعظمت، ولكنهم إذ وقفوا من كتاب الله الذي بين أيديهم هذا الموقف، راحوا يتعاملون مع الأباطيل والتّرهات، مما كانت تلقيه الشياطين على ملك سليمان، وهى خاضعة لسلطانه، من صور الأعمال الخارجة عن قوة البشر.. فلقد تعلق القوم بها، وتمسّحوا بما يرجف به المرجفون عنها، من شعوذات، ابتغاء الوصول إلى شىء من تلك القوى التي تملكها الشياطين، ليتسلطوا بها على العباد، وليجنوا من ورائها الربح المادىّ الذي يحلمون به! ولهذا كثر فى بنى إسرائيل الأنبياء الكذبة، الذين طلعوا فيهم من كل ناحية، والذين حدّثت التوراة عنهم، وحذّرت منهم، ولكن القوم اتبعوا هؤلاء المتنبئين الأدعياء، وكفروا بأنبياء الله وبهتوهم.
وفى قوله تعالى:«وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا» احتراز عن فهم خاطئ لاستخدام الشياطين، التي لا يحمد لها قول أو عمل، وذلك أن سليمان كان يضبط أعمالها على الوجه المحمود، الذي لا يخرج بها عن طريق الحق