للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الأشياء قد عفا الله عنها، فلا يؤاخذهم عليها، وإن كانوا قد فعلوها وهم مسلمون، إذ لم يكن قد جاء حكم الشريعة فيها..

وفى قوله تعالى: «وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ» إشارة إلى أنّ فى مغفرته ما يسع هذه المنكرات التي أتاها المسلمون، وهم مسلمون، ووجدوا فى أنفسهم حرجا منها، وضيقا بها، وإن كانوا لم يتلقوا حكم- الله فيها..

فهذه مغفرة الله تدفع عنهم هذا الحرج، وتذهب بما فى صدورهم من ضيق..

وهذا حلم الله يأخذهم بالأناة واللطف، فيما يشرّع لهم من أحكام.. إنه- سبحانه- يقبلهم مسلمين بما كانوا عليه، وبما فعلوه مما لم ينههم عنه من قبل..

فليرفقوا بأنفسهم، ولا يعجلوا بالسؤال عن حلّ هذا الشيء أو حرمته، حتى يأتيهم أمر الله فيه..

وقوله تعالى: «قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ» .

الضمير فى «سألها» يعود إلى تلك الأشياء التي لم تقل الشريعة قولا فيها، بحلّ أو حرمة.

والقوم هنا، هم بنو إسرائيل..

والمعنى أن بنى إسرائيل سألوا رسلهم عن كثير من أمور لم يأتهم الرسل بحكم الله فيها، فلما جاءهم الحكم فيما سألوا عنه، كفروا به، ولم يمتثلوا حكم الله فيه.

وما كان أغناهم عن أن يسكتوا.. ولكن القوم بما ركّب فيهم من لجاج وعناد وخلاف، لا يدعون لرسول من رسل الله فيهم، سبيلا، إلا أخذوه عليه، يسألون ويلحفون فى السؤال، فى كل صغير وكبير، وقريب وبعيد! ثم ما كان أولاهم إذا لم يسكتوا أن يتقبلوا جواب ما سألوه عنه، وأن ينزلوا على مقرراته، ويقفوا عند حدوده.. ولكنهم لم يسألوا ليهتدوا من ضلال، وليبصروا من عمى، ولكن كانت أسئلتهم مماراة، ومماحكة، وإعناتا!

<<  <  ج: ص:  >  >>