ولم هذا الخروج الذي جاء عن عمد، على غير المألوف من النظم القرآنى؟
والجواب:
أولا: أن هذه الآيات تضبط حالا من أحوال الناس، تقع على صورة غير مألوفة لما تجرى عليه حياتهم، فى الغالب الأعمّ منها..
فالناس أكثر ما يموتون، يموتون وهم بين أهليهم، وذوى قرابتهم..
حيث يجد من يحضره الموت منهم، الوجوه التي ألفها، وعاش معها، وأودعها سرّه وما ملكت يمينه.. فلا يجد- والحال هذه- من الوحشة للموت، أو الفزع منه، والخوف الكارب من الضياع له، ولماله ومتاعه الذي بين يديه، ما يجده ذلك الذي يموت غريبا، فى طريق سفر، أو دار غربة..
ومن هنا جاءت كلمات الآية متزاحمة، متراكبة، أشبه بتلك الحال القلقة المضطربة، المستولية على هذا الغريب الذي يحضره الموت، وفى صدره كثير من الأسرار، يريد أن يفضى بها إلى أهله، ويكشف مستورها لهم.
هذه واحدة! وثانيا: الذين حضروا هذا الميت الغريب، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة من الحياة، قد شهدوا منه هذا الاضطراب المستولى عليه، وتلك الوحشة التي تمسك لسانه، وتردّ الأسرار التي تضطرب فى صدره.. ثم إذ هم يطلّون عليه بنظرات حزينة، مواسية، يرى أنهم أهل لأن يفضى لهم ببعض ما عنده.. إذ كان ما لا بد أن يكون..
وهنا شدّ وجذب، وأخذ وعطاء، وخواطر متناثرة، وكلمات حذرة قلقة، ملفّفّة فى دخان من الريبة والشك، وأسرار تمشى على استحياء، يعرّف بعضها ويعرض عن يعض..
ومن هنا أمسك النظم القرآنى بهذه المشاعر المختلطة المضطربة، وعرضها