وأنفاس مودته، وذلك ممّا يحملهم على هذا الدّلال فى طلب ما لا يطلب الناس، ولا يطمعون فيه..
وفى إبراهيم عليه السلام مثل لهذا.. فقد طلب من الله- سبحانه- أن يريه كيف يحيى الموتى! وقد أجابه مولاه- كرما ولطفا- إلى ما طلب..
وكذلك ما كان من موسى- عليه السلام- حيث طلب أكثر من هذا، فقال:«ربّ أرنى أنظر إليك» ! وموسى يعلم يقينا أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يرى، إذ لو رؤى لتحدّد، ولو تحدّد لتحيّز، ولو تحيّز لكان مخلوقا.. لا خالقا! وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.. ومع هذا فقد طلب موسى هذا الطلب، الذي لا تدركه الأبصار.. فكان جواب الحق جلّ وعلا:«لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي.. فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً.. فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ.. تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»(١٤٢: الأعراف) .
فمثل هذا الطلب من الحواريين، لا يدلّ بحال على ضعف إيمان، أو شك فى الله، ولكنه طلب المزيد من الإيمان، والرضوان من الله! ولهذا كان جوابهم على عيسى عليه السلام:«نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين» فهم يريدون المائدة لأمور.. منها:
أولا: أن يأكلوا منها.. فهى فى هذا لا تختلف كثيرا عن المنّ والسّلوى الذي أطعمه الله سبحانه وتعالى آباءهم، حين نجّاهم من فرعون على يد موسى..
فلما كفروا بهذه النعم لعنهم الله، وضرب عليهم الذلة والمسكنة.
وثانيا: أن تطمئن قلوبهم إلى رحمة الله بهم، وألطافه عليهم، باستجابة طلبهم.. وفى هذا ما يفتح لهم إلي الله طريقا يرون منه إشارات السماء