وليس بين الآيتين تعارض، أو تناسخ، وإن عرضا لأمر واحد، واختلف منطوق الحكم فيهما.
فالآية الأولى تفرض على المؤمنين حكما فى فيها حال هم أهل للوفاء بهذا الحكم، لما فيهم من قوة إيمان وثبات يقين.. فإذا كانوا فى تلك الحالة كان واجبا عليهم إذا التقوا فى ميدان الحرب بأعدائهم من الكافرين- أن يثبت العشرون منهم لمئتين من أعدائهم، وأن تثبت المائة للألف.
فلما أن وقع الضعف فى المسلمين، حين كثر عددهم، ودخل فيهم من دخل، وليس فيهم ما فى هؤلاء النفر القليل الكرام، الذين سبقوا إلى الإسلام، من كرم المعدن، وصفاء الجوهر، والتعرّف على الحق، والبدار إليه- لمّا أن كان هذا من أمر المسلمين، خفف الله عنهم، وجعل أمرهم يسرا، ففرض عليهم ألّا تفرّ المائة من المائتين، ولا الألف من الألفين.
وانظر كيف كانت أعداد المسلمين فى الآية الأولى. «عشرون» و «مئة» ثم أصبحت فى الآية الثانية هكذا: «مئة» و «ألفا» .. وإن ذلك ليكشف عن المعنى الذي أشرت إليه من قبل، وهو أن الضعف الذي عرض للمسلمين فى هذا الوقت المبكر من الدعوة الإسلامية، وفى عهد النبوة، لم يكن من جهة المسلمين السابقين إلى الإسلام، فهؤلاء كانوا كلما مرّت بهم الأيام فى الإسلام، وفى صحبة الرسول، ازدادوا إيمانا مع إيمانهم، ولكن الضعف الذي وقع، كان على مجموع المسلمين، حين كثر عدد الداخلين فى الإسلام،