يرى عدد غير قليل من العلماء أن النسخ فى القرآن ليس نسخا بمعنى إزالة الحكم، كما ذهب إلى ذلك القائلون بالنسخ.. وإنما هو نسأ وتأخير، أو مجمل أخّر بيانه، أو خطاب قد حال بينه وبين أوله خطاب غيره، أو مخصوص من عموم، أو حكم عام لخاص، أو لمداخلة معنى فى معنى. وأنواع الخطاب كثيرة، فظنوا- أي القائلون بالنسخ- أن هذا نسخا، وليس به، وإنه- أي القرآن- الكتاب المهيمن على غيره، وهو نفسه متعاضد» «١» .
وبهذا التحقيق يتبين ضعف ما لهج به كثير من المفسّرين فى الآيات الآمرة بالتخفيف من أنها منسوخة بآية السيف.
والواقع أنها ليست كذلك، بل هى من النّسأ، بمعنى أن كل أمر يجب امتثاله فى وقت ما، لعلّة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إذ النسخ معناه الإزالة.
وتطبيقا لهذا الرأى، نجد ألا تعارض، ولا تناسخ بين الآيات التي تختلف أحكامها فى الأمر الواحد، إذ أن كل حكم محكوم بحال خاصة به، مقدرة له، وعلة تدور معه وجودا وعدما.