وماذا لو استقام المسيح على وجه واحد.. فكان إنسانا لم يخالطه شىء من الألوهية، أو كان إلها لم تشبه شائبة من البشرية؟ إن أعدل صورة للإنسان هو أن يكون إنسانا فى كل شىء.. فى ظاهر أمره وباطنه جميعا.
فأعضاؤه، وحواسّه، إذا خرج منها شىء عن حدود البشرية، ومألوفها..
فسد أمره، واضطرب وجوده بين الناس! وانظر كيف يكون حال إنسان له رجل واحدة بدل اثنتين، أو كان له أربع عيون بدلا من عينين، أو أن عينيه ركبتا فوق رأسه، أو أن حاسة بصره كانت أشبه بالمجهر، أو أن حاسة سمعه كانت كمكبرات الأصوات.. أترى مثل هذا الإنسان يهنؤه طعام، أو يستقيم له أمر؟
وقل مثل هذا فى كيانه الداخلى.. فى عواطفه ونوازعه، وفى أفكاره وخواطره.. إنه إن خرج فى شىء من ذلك عن حدود البشرية، فى أعلا ذراها، أو أدنى مستوياتها، تعس وشقى! إن الغراب الذي يلبس جلد الطاووس.. ليس غرابا، وليس طاووسا.. بل ليس من عالم الطير إطلاقا! والمسيح- صلوات الله وسلامه عليه- تحدّث سيرته عن إنسان كرم فى الإنسانية غرسه، وطاب ثمره، فكان غرّة فى جبينها، ودرة فى تاجها، ونجما لامعا فى سمائها، ومصباحا هاديا فى أرضها.. هيهات أن تلد الأمهات من يدانيه، نبلا، وطهرا، واستقامة وعفّة.. إلا من كان من الصفوة المتخيّرة من رسل الله وأنبيائه! فالمسيح- الإنسان- أمل من آمال الإنسانية، ومنزع من منازعها،