وحلم من أحلامها.. قد ظفرت به حقيقة واقعة، فرأت فيه الإنسان كيف يستعلى على شهواته، وكيف يقهر هواه، وكيف يبلغ به خلقه فى العالم الأرضى ما لا تبلغ الملائكة فى عالمها العلوي! وإنه لكسب عظيم للإنسانية أن يكون «المسيح» الإنسان واحدا منها، إذ به وبمن شابهه أو داناه، من الأنبياء، والحكماء، والقادة، والمصلحين- تثقل موازين الإنسانية، ويرتفع قدرها، ويستقيم خطوها، وتثبت أقدامها على طريق الحق، والخير، والسلام! وانظر كيف يكون حال الإنسانية من الجدب والعقم، فى خلقها، وفى تفكيرها، لو أن هؤلاء العباقرة، وأولئك الرءوس الشوامخ الذين تلدهم الحياة بين الحين والحين- أضيفوا إلى عالم غير عالم البشر، فكانوا من الجن، أو الملائكة، أو الآلهة.. أو أي خلق آخر مما يكبر فى صدور الناس؟
إن هذه الفتوح العظيمة التي حققتها الإنسانية على هذه الأرض، فى ميادين العلم والفنّ، وما أخرج العلم والفن من ثمرات عمرت بها الحياة، وقامت بها تلك الحضارة التي تملأ وجوه الأرض، حياة وعمرانا- هذه الفتوح العظيمة هى من صنع الإنسان، ومن وحي العباقرة والملهمين من الناس! فلو أن الإنسانية لم تلد هؤلاء العباقرة والملهمين من أبنائها، لظلت تحبو فى طفولتها، وتعيش فى هذا المستوي الطفولىّ، الذي لا يرتفع بها كثيرا عن مرتبة الحيوان! وحول الإنسانية، وفى محيطها قوى غيبية لا حدّ لقدرتها، ولا نفاد لحولها وقوتها.. كالجن والملائكة مثلا.. ومع هذا فإن الإنسان لم يفد منها شيئا، فى صراعه مع الحياة، ولا فى غزواته لكشف أسرارها!.
ولقد تتعلق عيون الناس وآمالهم قرونا وأجيالا طويلة بهذه القوى الغيبية