الهلاك، تنحلّ قوى الجسد، وتتبخر الأهواء المتسلطة عليه، وهنا يجد العقل سماء صافية تسطع فيها أنواره، كما تجد الروح مجالا للحركة والعمل، وإذا الإنسان بعقله وقد تخلص من الضباب الذي انعقد عليه، وبروحه التي انطلقت من قيود هذا الجسد المعربد، وإذا الإنسان هنا، يعاين الحقيقة، ويرى الحق، فيؤمن، إن كان كافرا، ويستيقن، إن كان مؤمنا.
وهذا أشبه بحال من يعالج سكرات الموت، فإنه يرى ماوراء المادة من شواهد الحياة الآخرة، فيؤمن إن كان كافرا، حيث لا ينفعه إيمانه، ويتوب إن كان عاصيا، حين لا تنفعه التوبة.. وفى هذا يقول الله سبحانه وتعالى لفرعون، وقد آمن بعد أن أدركه الغرق، وأشرف على الموت:«آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»(٩١: يونس) ويقول سبحانه فيمن يتوب وهو فى مواجهة الموت: «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ»(١٨: النساء) .
وقوله:«أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ» هو استفهام تقريرى، يراد به أخذ اعتراف هؤلاء المشركين بالله.
وجوابهم فى تلك الحال التي يسألون فيها، وهم فى أمن عافية، لا يذكرون معها تلك الحال التي يكونون فيها تحت قهر البلاء والشدة، أو فى مواجهة أهوال القيامة- جوابهم فى تلك الحال، لا يكون إلا جحودا لله، وكفرا به، واستغناء عنه.
وقوله تعالى:«إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» إشارة إلى هذا الجواب الذي سيعطونه فى تلك الحال، وأنه ليس الجواب الذي يعطونه لو كانوا فى مواجهة المحنة