وتلك هى حال الإنسان، فى الشدائد يجتمع رأيه، وتتفتح ملكاته، فيرى الواقع على حقيقته، فإذا زالت الشدة، وانفسح الأمل، أعطى زمامه لهواه، وأسلم وجوده لشيطانه، وعاد إلى ما كان فيه من ضلال وكفر.. «وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ»(٨: الزمر) وقوله تعالى: «أَرَأَيْتَكُمْ» .. الاستفهام يراد به التقرير.. أي أجيبوا على هذا السؤال الذي أنا سائلكم عنه..
وأصل هذا الفعل «أرأيتم» مخاطبا به هؤلاء المشركين خطابا مباشرا..
ولكن لما كان بين هؤلاء المشركين وبين عقولهم حواجز من الضلالات والمنكرات، فقد جاء خطابهم على تلك الصورة، الفريدة، التي تجمع بين مخاطبين، والمخاطب واحد، حتى لكأنه ذاتان، أو ذات منقسمة على نفسها.
وفى قوله تعالى:«إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ» .. المراد بالعذاب هنا هو ما يأخذهم به لله من عقاب شديد فى الدنيا، كما أخذ به الضالين المكذبين من قبلهم..
وعطف قوله تعالى:«أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ» على قوله تعالى: «عَذابُ اللَّهِ» لبيان أن هذا العذاب الذي يندرون به، هو عذاب شديد، أشبه بأهوال يوم القيامة..
ومن أجل هذا، كان وقوع المشركين تحت وطأة هذا العذاب داعية لهم إلى أن ينخلعوا عما كانوا فيه من غفلة، واستخفاف، بما يشغلهم من مطالب الحياة الجسدية، التي أعطوها وجودهم كله..، وأن يولّوا وجوههم إلى الله.
ففى مواجهة الشدائد القاسية التي تتهدد وجود الإنسان، وتشرف به على