وقوله سبحانه:«وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ» هو تفصيل، بعد تفصيل، بعد إجمال.. فقد جاء علم الله عاما شاملا:«وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» ثم جاء مفصلا..
«وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» ثم فصل هذا المفصل «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ» إلا يعلمها، وإلا هى «فِي كِتابٍ مُبِينٍ» أي أن كل شىء وجد أو سيوجد، هو فى علمه منذ الأزل، مسجل فى كتاب محفوظ، لا يتغير ولا يتبدل:«وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ»(٣٤: الأنعام) والكتاب المبين، هو الواضح، المحكم، المتمكن من كل شىء ... «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً»(٢٩: النبأ) .
قوله تعالى:«وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ» إشارة إلى نعمة النوم، واليقظة، وأن النوم أشبه بالموت، حيث تسكن فيه الحواس، وتتعطل ملكات الإنسان.. ونوم الإنسان ويقظته كل يوم، فيه تذكير له بالموت والبعث، إن كان مؤمنا، وتصوير لهما إن كان شاكا، ومظاهرة للحجة عليه، إن كان منكرا كافرا..
وفى قوله تعالى:«وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ» بعد قوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ» إمساك بالإنسان وهو فى حال النوم، كميّت بين الأموات، ووضعه أمام ما كسب فى حال يقظته، قبل أن يحتويه النوم أو يمسكه الموت..
وتلك عملية يرى فيها الإنسان صورة مصغرة لما يكون عليه حسابه يوم القيامة، وأنه ما هى إلا نومة كهذه النومة، حتى يجد نفسه هو وما عمل، بين يدى الله، للحساب والجزاء، وللجنة أو النار..