وفى هذا ما يحمل الإنسان على أن يتدبر أمره، ويراجع حسابه، ويستعد لليوم العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين..
وفى التعبير عن أعمال الناس (بالجرح)«وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ» إشارة إلى الأعمال السيئة، وأنها عدوان على حرمات الله، وجرح لها، حتى لكأنها كائن حىّ، يصاب بطعنة رمح، أو ضربة سيف.. وإذ كانت كذلك فإنه لا بد من قصاص، كما يقول سبحانه:«وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» .
والسؤال الوارد هنا: إذا كان علم الله عامّا شاملا لكل ما يعمل الإنسان من خير وشر، فلم اقتصر به هنا على ما اكتسب الإنسان من سيئات، وما اجترح من حرمات؟.
والجواب على هذا، هو أن سلامة الإنسان قائمة على تجنبه المعاثر، ووقوفه على حدود الله.. فإذا كفّ يده عن اجتراح المحارم، فقد فاز ونجا.. ذلك أنه إذا خلّص نفسه من دواعى الإثم والشر، استقامت طريقه على الحق والهدى، وانطلق فى حرية إلى حيث أمر الله من خير وإحسان.
وقوله تعالى:«ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ» الضمير المجرور بحرف الجر «فى» يعود إلى النهار.. «وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ.. ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ» والمراد بالنهار ليس نهارا بعينه، وإنما هو مطلق النهار، حيث تكون فيه يقظة الإنسان والكائنات الحية.. وحيث تقع فيه كل أعمال الإنسان من خير أو شر.
وقوله:«لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى» أي أن هذا البعث الذي يكون باليقظة من النوم إنما هو لاستيفاء الأجل الذي قدره الله للإنسان فى حياته الدنيا..
وقوله تعالى:«ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» أي أنه بعد استيفاء الأجل المقدور لكم، يرجعكم الله إليه بالموت، ثم يبعثكم بعد الموت لتروا أعمالكم، وتحاسبوا عليها..