وآتوا حق الله فى هذا الثمر الذين تأكلون منه، غير مسرفين فى الأكل..
والسرّ فى اقتران الأمر بالأكل من الثمر والأمر بإتيان حق الله منه، ذلك الاقتران الذي يفصل بين صاحب الحال والحال.. السرّ فى هذا هو- والله أعلم- تذكير بحق الله، وشغل النفس به، وهى تتذوق بواكير ثمر هذه الجنات وتلك الزروع، وذلك قبل أن تشبع وتتخم.. وهذا من شأنه أن يقيم فى كيان الإنسان عزيمة صادقة موثّقة على الوفاء به عند حصاد هذا الثمر، فى حين أن ذلك يدعو أيضا إلى المبادرة بإعطاء شىء من حق الله فيه قبل الحصاد، ومشاركة الفقراء، للآكلين من بواكيره، حتى لا يطول بهم الحرمان والانتظار إلى يوم الحصاد.. «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» ..
فإذا جاء الحال بعد ذلك مقيّدا للأكل، وناهيا عن الإسراف فيه جاء هذا شاملا لجميع الأحوال التي يؤكل فيها هذا الثمر- فى حال نضجه، وصلاحيته للأكل وفى حال حصاده وجمعه، وما بعد حصاده وجمعه.
«وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» فى أي حال من الأحوال.
وقوله تعالى:«وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً» معطوف على قوله سبحانه:
«جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ» أي أنه سبحانه أنشأ كذلك حمولة وفرشا من الأنعام، كما أنشأ جنات معروشات وغير معروشات من الزروع.
والمراد بالإنشاء هنا تيسير هذه النعم وتذليلها للإنسان، وهدايته إلى تسخيرها والانتفاع بها على هذه الوجوه.. فتلك نعم أخرى إلى نعمة إيجادها.. فالله سبحانه وتعالى، هو الذي أوجدها، ثم هو سبحانه الذي مكّن للإنسان من أن ينتفع بها، بما منحه من قوى عاقلة، تقدّر وتدبر، وتعرف كيف تسوس هذه النعم، وتستخرج بعض ما ضمت عليه من خير.