بالتحذير للمؤمن أن يعلى مقامه عند الله بالمبالغة فى الإحسان، وبذل العطاء للفقراء والمحتاجين..
ورابعا: إذا فرض أن الإسراف مكروه حتى فى باب الإحسان، فإن المسرفين هنا قلّة قليلة جدا، لا يحمل التحذير لها بهذه الصيغة العامّة المطلقة، التي تنسحب آثارها على المسرفين، والمعتدلين، بل وعلى الأشحّاء جميعا..
حيث يجد الشحيح مدخلا إلى المبالغة فى شحّه، حين يسمع دعوة تقول:
«وَلا تُسْرِفُوا» .
وخامسا: إذا كان من الحكمة التحذير من الإسراف فى جميع الأحوال، فإنه مما يجانب الحكمة فى تلك الحال التي يطعم فيها الطاعمون من هذا الثمر الذي ملأ الله أيديهم منه- أن يدعوا إلى ترك الإسراف هنا- الذي يحمل فى مضامينه دعوة إلى الإمساك- وهم يطعمون، ويتخيّرون ألوانا مما يطعمون، وعيون الفقراء ترقبهم، ببطون خاوية، ولعاب يسيل!! وعلى هذا فإن الفهم الذي نستريح إليه لقوله تعالى:«وَلا تُسْرِفُوا» هو أنه قيد وارد على قوله سبحانه: «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ» .. أي كلوا من ثمره فى غير إسراف، حتى يكون فى أيديكم فضلة تؤدون فيها حق الله فى هذا الثمر الذي تطعمون منه، وحتى لا تمتلىء البطون، وتبلغ حدّ التخمة، فلا يذكر المرء حينئذ شهوة جائع إلى هذا الثمر.
أما قوله تعالى:«وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» فهو معطوف على قوله تعالى: «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ» .. معترضا بين صاحب الحال وهو الفاعل فى الفعل «كلوا» وبين جملة الحال وهى قوله تعالى: «وَلا تُسْرِفُوا» ..
ويكون المعنى: كلوا من ثمر هذه الجنات وتلك الزروع عند ما ينضج ثمرها،