للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: «ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» فهو مطالبة لإبليس ببيان المانع الذي منعه، إن كان هناك مانع.. فلما لم يجد المانع طولب بأن يبيّن الدافع الذي تولّد فى نفسه وحمله على ألا يسجد.. ثم لما اضطرب وتلجلج فى الكشف عن هذا الذي ضلّ عنه وهو يحاول الإمساك به، قيل له: مالك- إذن- ألّا تكون مع الساجدين؟.

وهكذا يؤخذ بمخانقه، ويسقط فى يده، فينهار ويهوى، ثم يتخبط فى هذا الهذيان المحموم، وقد عرف ألا نجاة له، وأنه من الهالكين..!

قوله تعالى:

«قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ» .

الضمير فى منها يعود إلى المنزلة التي كان فيها إبليس قبل هذه المعصية، وكذلك الضمير فى قوله تعالى: «فِيها» .. والهبوط هنا هبوط معنوى..

والمعنى: اخرج أيها الشيطان المريد من هذه النعمة التي خولتك إياها، ورفعت بها منزلتك حتى اتخذت منها حجة على هذا العصيان الوقاح لأمرى، فتأبى أن تسجد لمن دعوتك إلى السجود له.. فما يكون لك أن تتكبر فى هذه النعمة، وتختال بها.. وها أنت ذا قد أصبحت من الصاغرين، قد نزع عنك ما كنت تدّعيه لنفسك من منزلة تعاليت بها على هذا المخلوق الآدمي، الذي خلق من طين..!

وهكذا كل من ألبسه الله نعمة من نعمه فلم يرعها، ولم يؤدّ حق شكرها لله، من الطاعة والولاء- إنها تنزع منه، ويلبس بدلها ثوب النقمة والبلاء..

<<  <  ج: ص:  >  >>