أن الإيمان بالله هو القلعة التي يتحصن فيها الإنسان من الشيطان، وليس عليه بعد ذلك إلّا إغلاق أبوايها وإحكام غلقها، حتى لا يكون للشيطان سبيل إليه..
أما من لا يؤمن بالله، فهو شيطان مع الشيطان. لا يريد الشيطان منه أكثر مما هو فيه من فتنة وضلال، وهو بهذا قد سبق الشيطان إلى الغاية التي يريدها منه، ولهذا كان الشيطان وليّه، وهو تابعه.. وهذا ما يكشف عنه قوله تعالى:«إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ» ..
قوله سبحانه:«وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .. الخطاب هنا للضالين والمشركين، الذين إذا جاءهم من يدعوهم إلى الهدى أبوا أن يستجيبوا له، واستمسكوا بما هم فيه من ضلال وشرك، وليس بين أيديهم من حجة على هذا الذي هم فيه إلا أن ذلك مما كان عليه آباؤهم، وأنهم على آثارهم مقتدون، وأن ذلك الذي كان عند آبائهم هو مما أمر الله به، لأن آباءهم لم يجيئوا بهذا من عند أنفسهم، بل هو مما شرع الله لهم.. هكذا يقولون، وهكذا يفترون.. وقد ردّ الله عليهم هذا الافتراء بقوله:«إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ.. أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .. وفى هذا لردّ حكم على ما هم فيه بأنه فاحشة، لا يخفى على عاقل أمرها من السوء والفحش، ومحال على الله أن يأمر بالفاحشة.. وإذن فهذا الضلال الذي هم فيه ليس من الله قطعا، بحكم العقل، ولو كان هؤلاء على شىء من العقل لما قالوا على الله هذا القول المنكر:«وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها» ، ولهذا كان هذا الإنكار عليهم والفضح لجهلهم بقوله تعالى:«أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .. إنهم لا يعلمون ما لله من جلال وكمال، ولو كانوا يعلمون شيئا من هذا لما نسبوا إلى الله الأمر بهذه المنكرات، فإن الكامل لا يصدر منه هذا النقص المعيب.