الآخر، عزلة، لا ينفذ منها شىء من نعيم الجنة، إلى أصحاب النار، كما لا ينفذ منها شىء من لفح جهنم، إلى أهل الجنة، ولكنهم- مع هذا- بمرأى ومسمع من بعض..
وبين الفريقين سور يشفّ عما وراءه وأمامه.. وعلى هذا السور رجال، ليسوا من أهل الجنة، ولا من أصحاب النار.. إنهم لم يتقرر مصيرهم بعد، إذ لم تكن سيئاتهم بالتي تدفع بهم إلى النار، ولم تكن حسناتهم بالتي تفتح لهم أبواب الجنة، فأوقفوا هكذا «على الأعراف» . والأعراف: ما ارتفع من الأمكنة، ومنه عرف الديك الذي هو أعلى شىء فيه، ومنه المعرفة بالشيء، حيث تكشفه، وتستولى على حقيقته..
وهؤلاء «الرجال» أشبه بالنظّارة الذين يشهدون موقفا بين فريقين متناقضين.. ينظرون إلى هؤلاء نظرة، وإلى هؤلاء نظرة أخرى، فيكون لهم فى ذلك حال من العجب والدهش، ومن المسرّة والغم، ومن الرجاء والخوف.. إنه نوع من العقاب الذي يمسّه لطف الله، وتحفّ به رحمته..
وليس يخفى على هؤلاء «الرجال» من هم أهل الجنة، ومن هم أصحاب النار، فلكلّ من الفريقين سمات ظاهرة تدل عليه، وتكشف عن حاله.. وشتّان بين وجوه يجرى عليها ماء النعيم، وتسفر فيها شموس الأمن والسلامة والرضا، وبين وجوه عليها غبرة ترهقها قترة.. قد كربها الكرب، واستولى عليها البلاء..
ومن هؤلاء الرجال، أو النظارة، تنطلق كلمات الإعجاب بتلك التحية الطيبة إلى أهل الجنة:«سلام عليكم» .. تماما كما يفعل النظارة على مسارح الحياة..
يحيّون الفائزين، ويرجمون المنهزمين!! وإذ يلتفت أهل الجنة إلى هذه الأصوات التي تجيئهم من بعيد، وإذ يرون أنها صادرة من أناس ليسوا من أهل النار، وليسوا كذلك من أهل الجنة-