للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الذي يملك من أنفسنا ما لا نملك، فإذا كان الله قد شاء لنا أن نعود القهقرى إليكم، ونردّ على أعقابنا معكم، فنحن مستسلمون لأمر الله، راضون بحكمه، أما نحن فى ذات أنفسنا، فعلى عزم صادق ألّا نعود فى ملتكم أبدا، إلا أن ينحلّ هذا العزم بيد الله، لأمر أراده الله، وقضاء قضى به.. «وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً» .. فهو- سبحانه- وحده الذي يعلم مصائر الأمور، ولا يدرى أحد قدره المقدور له، ولا مصيره الذي هو صائر إليه، فذلك علمه عند علام الغيوب.. أما نحن فمطالبون بأن نستقيم على الحق، وأن نفوّض الأمر لمالك الأمر.. «عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ» .. والفتح هو الحكم، وتلك قضية بين شعيب وقومه، هو يدعوهم إلى الهدى، وهم يدعونه إلى الضلال، وهو يلقاهم بالحسنى، وهم يتهدّدونه بالبغي والعدوان، والله سبحانه وتعالى هو الذي يحكم بين الفريقين، ويدين من هو أهل للإدانة، ويأخذه بما يستحق من عقاب.

وقول شعيب: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ» - مع أن فتح الله أو حكمه لا يكون إلا بالحق- هو تقرير للواقع، وإشعار للخصوم بأنهم لا يؤخذون بغير الحق، وأنهم وشعيب على سواء بين يدى من يفصل بينه وبينهم فيما هم مختلفون فيه.

ومع هذا الموقف العادل الذي يقفه شعيب من قومه، وفى موقفه معهم فى ساحة القضاء الذي يقول كلمة الحق بينه وبينهم- فإنهم لم يقبلوا هذا منه، ولم ينتظروا ما ينجلى عنه هذا الموقف، بل جعلوا إلى أنفسهم أمر القضاء فى هذا الخلاف، وأعطوا لأنفسهم كلمة الفصل فيه، وأنهم هم وحدهم أصحاب الحق..

فأدانوا شعيبا، وحكموا عليه بالخروج من القرية هو ومن آمن معه، واستعجلوا إنفاذ هذا الحكم فيه وفيهم..

<<  <  ج: ص:  >  >>