هذا هو محتوى الحكم الذي حكموا به. من اتبع شعيبا فهو من الخاسرين، لأن شعيبا على باطل، وهم على حق، وإذن فلن يخلص من أيديهم إلا بأن يخرج من القرية، ويمضى حيث يشاء.. هكذا قدّروا، وهكذا حكموا.
وما أن همّوا بإنفاذ هذا الحكم، حتى جاء الحكم الذي لا يردّ، الحكم الذي حكم به أحكم الحاكمين..
إنه الحكم الذي أدين به من قبل أشباه لهم، كذبوا رسول الله، وعقروا ناقة الله.. إنهم قوم «صالح» ، الذين أخذتهم الرجفة من قبلهم فأصبحوا فى دارهم جاثمين.. والرجفة هى الاضطراب والزلزلة ... فلقد زلزلت بهم الأرض، ودمدم عليهم ربهم بذنبهم، فأصبحوا فى ديارهم جاثمين، أي جثثا هامدة، لاحراك بها..
«الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ» تلك هى عاقبة المكذبين.. لقد أقفرت منهم الديار، حتى كأنهم لم يكونوا من عمّارها يوما.
يقال: غنى بالمكان، أي أقام فيه، وسكن إليه، بما اجتمع له من وسائل تغنيه عن التحول عنه..
ويتلفّت شعيب إلى ما حلّ بقومه، وما صار إليه أمرهم بعد أن أصبحوا جثثا هامدة وأشلاء مبعثرة، فيأسى عليهم، ويحزن لهم، ولكن سرعان ما يدفع عنه مشاعر الأسى والحزن، حين يراجع حسابه مع قومه، وما كان منه ومنهم، فيجد أنهم ليسوا أهلا لدمعة رثاء تدمعها عينه عليهم..