وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ»
.. إنه يكشف عن وجه من وجوه العظة والاعتبار.. فهؤلاء الذين سكنوا مساكن القوم الظالمين الذين هلكوا، وورثوا أرضهم وديارهم وأموالهم.. ألم يهد لهم وينكشف لأبصارهم أو بصائرهم أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لأخذهم بذنوبهم كما أخذ القوم الظالمين قبلهم بذنوبهم؟ ولساق إليهم نذر الدّمار والهلاك كما ساقها إلى الهالكين من قبلهم؟ فما حجتهم على الله حتى يدفع عنهم هذا البلاء الذي هم جديرون بأن يؤخذوا به؟ وما وجه فضلهم على من أهلكوا قبلهم حتى لا يصيروا إلى مثل مصيرهم، وقد فعلوا فعلهم، وأخذوا طريقهم؟
إنه لا لحجة لهم على الله، ولا لفضل ظاهر فيهم، أن عافاهم الله من هذا البلاء، وأن صرف عنهم عذابه، ولكن لمقام رسول الله بينهم، ولفضل الله على نبيه الكريم ألا يعذب قومه وهو فيهم، كما وعده ربّه هذا الوعد الكريم:
«وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(٣٣: الأنفال) وهذه خصيّصة لمحمد صلوات الله وسلامه عليه، من بين رسل الله جميعا، ألّا يرى عذاب السّماء ينزل على قوم هو منهم، أو يصيب بلادا هو فيها..
وفى قوله تعالى:«وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ» إشارة إلى أن العذاب الذي سيقع بهؤلاء الظالمين ليس عذابا ظاهرا، ينزل من السماء، أو يخرج من الأرض، ولكنه بلاء خفىّ، يغشى قلوب الظالمين، فيحجب عنها الهدى، فلا تتهدّى إليه، ويصرف عنها الخير، فلا تعرف له وجها..
وفى النظم القرآنى حذف دلّ عليه المقام، والتقدير:«أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ»(وأخذناهم بما أخذنا به القوم الظالمين قبلهم من بلاء ونكال، ولكنا لا نفعل بهم هذا، تكريما للنبي الكريم، «وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ» كلام الله، ولا ينتفعون به)