وحشر السحرة على عجل، وأقبلوا من كل أفق، وغصّت بهم ساحة فرعون.. وما كانوا قد رأوا رأى العين ما كان من فعل موسى بعصاه ويده، مع فرعون، وإن كانوا قد سمعوا به، وتصوروه على ما روى لهم..
ومن هنا وقع فى أنفسهم أنه ساحر مثلهم، وأنّه إذا كان على شىء من القوة بالنسبة لهم، فإن فى جمعهم هذا ما يتغلب على كل قوة..
ومن هنا أيضا وقع فى أنفسهم أنهم أصحاب الموقف المنتظر بينهم وبين موسى، فكانت لهم بذلك دالّة على فرعون، وقد أطمعهم فيه، ما وجدوه عليه من ذلّة وانكسار، فجاءوا إليه يسألونه الأجر مقدّما، ويسألونه الجزاء الذي لهم عنده، بعد أن يكون لهم الغلب!! «وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ» !.
ولا يملك فرعون فى هذا الموقف إلا أن يستجيب لهم، ويترضّى مشاعرهم، حتى يبذلوا كل ما يملكون من حول وحيلة.. إنهم الآن لا يعملون إلا بأجر، وقد كانوا من قبل هذا الموقف عبيدا مسخّرين! «قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» .
فليس الأجر وحده، ولا المال وحده، هو الذي سيبذله لهم، إن هم انتصروا على موسى، وأبطلوا كيده، وأفسدوا تدبيره، ولكن لهم إلى هذا المال الوفير الذي سيغدقه عليهم- أن يقرّبهم إليه، ويدنيهم منه، ويجعلهم أعوانه، وأصحاب الكلمة والرأى عنده.
ولا يذكر القرآن هنا اجتماع السحرة بموسى، والاتفاق معه على موقع المعركة وزمانها.. فذلك متروك لتقدير من يتلو هذه القصة، وتصوره لملء هذا الفراغ الذي لا يغيب عن فطنته، فإن لم يسعف الإنسان ذكاؤه هنا،