للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجد القرآن الكريم فى معرض آخر من معارض هذه القصة، يعرض الصورة المثلى التي تملأ هذا الفراغ وتغطيه!.

ومن أجل هذا جاء اللقاء المواجه بين السحرة وموسى هكذا.

«قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ» .

إن المعركة قد بدأت، وإنها الآن فى أول جولة من جولاتها..

ولقد خيّر السحرة موسى، بين أن يبدأ هو الجولة، أو هم الذين يبدءونها.؟

وأجابهم موسى أن يكونوا هم البادئين.. وهذا أدب من أدب الحرب..

أعطوه الفرصة، فأعطاهم هو إياها.. ولقد جاءوا بأدوات كأدوات موسى..

عصىّ وحبال أشبه بالعصىّ، كما جاء هو بعصاه.. فتلك هى أصول منازلة الخصم لخصمه.. أن يحاربه بمثل سلاحه..

وقد أعطاهم موسى الفرصة ليظهروا كل ما عندهم، وكان ذلك عن حكمة وتدبير وتقدير.. فلو بدأ موسى- وقد جعلوا هم الأمر إليه فى اختيار من يأخذ المبادرة- لكان غير عادل معهم، إذ بدءوه بالإحسان.. ولهذا فقد ردّ إليهم إحسانهم بإحسان، وأعطاهم حقّ المبادرة التي كان له أن يأخذها لنفسه.

ثم- من جهة أخرى- إن موسى كان واثقا من تأييد الله له، ومن نصره فى هذا الموقف.. ولو بدأ هو الجولة، وضرب السحرة ضربته، وأوقع بهم الهزيمة من قبل أن يعطوا ما عندهم، لكان فى نصره هذا الذي أحرزه مقال لقائل أن يقول: إنهم لو أظهروا السّحر الذي فى أيديهم أولا، لشلّوا حركة موسى، وضربوه الضربة القاضية.. ولكنه عاجلهم فكانت الضربة له، ولم تكن لهم!! هذا قول يقال، فى مثل تلك الحال، وفيه يجد أصحاب الضلال

<<  <  ج: ص:  >  >>