«وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» أي قد هديناكم إلى صراط مستقيم «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» أي أمة قائمة على صراط مستقيم، هو الوسط بين التقصير والغلوّ. وهذا هو أعدل المناهج وأقومها، حيث أن التقصير يقعد بصاحبه عن اللحاق بالركب، كما أن الغلوّ يقطع صاحبه عن مواصلة الرحلة، بعد أن يكلّ حدّه، ويفتر عزمه.
وقوله تعالى:«لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» تعليل شارح للأمة الوسط ومكانها المحمود بين الأمم، فأهل هذه الأمة، هم بموقفهم الوسط، شهادة قائمة على الناس جميعا، إذ كان سيرهم على خط الحياة سيرا يحتمله جهد الأقوياء والضعفاء جميعا ... إنه سير يحفز همّة الضعيف ويشحذ عزمه، على حين أنه يمسك زمام الشارد، ويردّ أنفاسه المبهورة.
وقوله تعالى:«وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» هو الميزان الذي يضبط الأمة الوسط، ويحكم قيامها على هذا الطريق السّوىّ، حيث كان الرسول الكريم هو المثل الأمثل لأمته، فهو فى الأمة الوسط شهادة قائمة عليها، يأخذ بقوله وعمله خطّ الوسط فيها، فيمسك بالضعاف أن ينزلوا عن المستوي الجامع للأمة الوسط، ويهتف بالمغالين ألّا يتفلتوا من خط هذه الأمة وينقطعوا عنه.
والوسط من كل شىء هو مركز الاعتدال منه، ونقطة التوازن فيه.
وطبيعى أن فوق الوسط منزلة أعلى منه، وأنه ليس غاية الكمال، ومع هذا، فإنه- فى مجموعه- خير مما فوقه، لأنه أثبت وأدوم، ولأنه أقرب إلى متناول الناس، إن لم يكن الناس جميعا، فالأغلب الأعم منهم.
إن الاعتدال فى أي شىء وفى كل شىء، هو مما يحتمله الناس ويقدرون