للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الوفاء به، ويصبرون على ما يكرهون منه، أما ما فوق الوسط فهو أمر لا تحتمله أكثر النفوس، ولا تصبر عليه.. وقد يرتفع الإنسان إلى أكثر مما يحتمل، فيختل توازنه ويسقط.. ولا تكون السلامة والعافية إلا حيث الاعتدال، الذي يجد الإنسان فى مجاله القدرة على التحرك إلى فوق، وإلى تحت، وهو فى تلك الحركة- بحكم الوسط- لا يخرج عن المقام الكريم اللائق به، حيث يظل- بالوضع الذي هو فيه- مشرفا على الأرض، مستشرفا للسماء! وقد يقول بعض القائلين: إن الوسط لا طعم له، ولا ذاتية لوجوده..

إنه أشبه بالخط الوهمي بين شيئين.. إنه ليس شيئا، ولا ضد شىء.

إن القسمة فى الأمور، هى الشيء وما يقابله.. الخير والشر.. الأبيض والأسود.. الحلو والمر.. الجميل والقبيح.. اليمين والشمال..

أما الوسط الذي يفصل بين هذه المتقابلات فليس إلا خطا وهميا..

ونقول: إننا لا ننكر أن الوسط ليس هو الكمال كله، وأن فوق الوسط منازل كثيرة للفضل، وأنه غير محجور على الناس أن يرتفعوا إليها، وأن يتنافسوا فيها.. بل إن ذلك مندوب محمود..

ولكن هذا شىء، والتشريع العام شىء آخر.

التشريع إلزام لا انفكاك منه.. التشريع عقد بين صاحب الشريعة وأتباع هذه الشريعة.. فهم مطالبون بالوفاء بما شرع لهم، وهم ملومون مأخذون بالعقاب إذا قصروا.. وليس الأمر كذلك فيما كان عن تطوع واختيار.. إذ للإنسان أن يمضيه أو يعفى نفسه منه.. ولا لوم عليه! والتشريع حين يكون عاما.. لأمة، أو للإنسانية كلها- تقتضى الحكمة

<<  <  ج: ص:  >  >>