والله سبحانه وتعالى قدّر هذا الموعد بأربعين ليلة في علمه الأزلى، ولكنه سبحانه أعطى منها موسى أولا ثلاثين ليلة، ثم أتمّ عليه وعده، بما كشف له من سوابغ فضله، ومزيد نعمائه، بهذه الليالى العشر، التي وقعت من نفس موسى أكثر مما كان للثلاثين ليلة من وقع في نفسه، إذا أنها جاءت على شوق ولهفة، ووقعت على غير انتظار وتوقع.. وهكذا يكشف الله لأوليائه، وأصفائه، من ألطافه التي قدّرها لهم في علمه، على هذا الأسلوب الذي يضاعف من آثارها، حين تجىء في أنسب الأحوال الداعية لها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى للنبى الكريم:«إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً» .. وقوله سبحانه ليوسف على لسان يعقوب: «وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ (٦: يوسف) فإتمام النعمة هو البلوغ بها إلى غايتها، من التمام والكمال..
فهذه الليالى العشر، هى إحسان، ونعمة إلى نعمة.. فإنها وإن بدت أنها نافلة هى أوقع من الأصل، لأنها- كما قلنا- جاءت على غير انتظار، ووقعت أكثر مما كان يؤمّل ويرجى..!
ففى بشارة الله سبحانه وتعالى لامرأة إبراهيم بالولد، بعد اليأس منه، جاءت إليها البشرى، لا بالولد وحده، بل بالولد، وولد الولد، حيث يقول الله تعالى:«فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ» .. ومع أن مولودها هو «إسحق» وهو غاية ما كانت تتمنىّ على الله.. فإنّ مما يضاعف من فرحتها أن ترى لإسحق ولدا.. وهذا الولد هو- فى الواقع- الذي وجدت فيه ريح الولد، الذي تنسى به أنها عاقر، وأنها قد بلغت من الكبر عتيّا.. فهى بهذا الولد الذي يولد لإسحق، يردّ إليها اعتبارها بأنها أنثى كاملة، وأنها تستقبل أول حياتها كأنثى ولود، يكون لها أولاد وحفدة!.