للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان على صورة لم يعهدها فيما يسمع من أصوات.. فمعنى قوله «رَبِّ أَرِنِي» أي بيّن لى طريق النظر إليك، فإن بيّنت لى أنظر إليك، وإلّا فلا سبيل إلى النظر.. ومثل هذا قول إبراهيم عليه السلام: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» .

وقد أجاب الله موسى بقوله: «لَنْ تَرانِي» .. هكذا حكما قاطعا مؤبدا..

إذ أن ذلك أمر مستحيل..

ثم كشف الله- سبحانه- لموسى عن وجه الاستحالة هذه فقال له:

«وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي» ..

وينظر موسى إلى الجبل..

«فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً» .

وهكذا يرى موسى بعينيه، الشاهد الذي يكشف له وجه الاستحالة في رؤية ربّه.. إن الجبل، فى ضخامة كونه، وشدة أسره، لم يتحمّل لمحة من لمحات تجلّى الذات الإلهية له.. لقد استشعر هذا الحجر الأصمّ جلال الله وعظمته، فتهاوى، وتفتت، وصار حطاما.. فكيف بالإنسان وضالة جسمه، وما فيه من مشاعر وأحاسيس؟ أيحتمل شيئا من هذا الجلال وتلك الخشية التي تصدّع لها الجبل، وتشقق، ثم هوى؟ لقد صعق موسى مما رأى من الجبل، ومن تصدعه وتشققه وتهاويه.. فكيف لو كان ما نزل بالجبل نزل به؟.

وهنا يدرك موسى أن ما طلبه كان أمرا فوق المستحيل.. فيفزع إلى الله تائبا من تلك الجرأة التي دعته إلى هذا الطلب.

«فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» بك، وبجلالك وعظمتك..

قوله تعالى: «قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>