ولكن الله- سبحانه- صنع للمسلمين فى هذه المعركة، وأراهم نصره وتأييده لأوليائه.. فكانت يد الله هى التي ردّت عنهم هذا العدوّ، وهى التي أظفرتهم بقريش، وما خلّفت وراءها فى المعركة من عتاد ومتاع، وكان المنتظر أن يكون المسلمون غنيمة ليد المشركين يومئذ، لا أن يكون المشركون غنيمة لهم.
إذن فهذه المغانم التي وقعت لأيدى المسلمين هى «أنفال» .. والأنفال:
جمع نفل، وهو ما جاء زائدا عن المطلوب.. ومنه النوافل فى الطاعات والعبادات، وهو ما جاء زائدا عن المطلوب.. ومن هذا قوله تعالى للنبىّ الكريم:«وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً»(٧٩: الإسراء) فتهجد النبي بالقرآن الكريم فى الليل هو تكليف خاص بالنبي، ليرفعه الله بهذه العبادة الواجبة عليه مقاما فوق مقامه.. أما المسلمون فلهم فى النبي الكريم الأسوة والقدوة.. وعلى هذا فالتهجد بالقرآن أمر مطلوب من المسلمين على سبيل الاستحباب لا الوجوب، وليس الشأن هكذا بالنسبة للنبى الذي اختصه الله بهذا التكليف، فجعل التهجد بالقرآن فرضا عليه.
ومن ذلك قوله تعالى عن إبراهيم- عليه السلام-: «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ»(٧٢: الأنبياء) .
فإسحق هو ابن إبراهيم، وقد جاءه على كبر، بعد أن بلغ هو وامرأته سنّ اليأس.. فهو أشبه بالنافلة، لأنه جاء على غير انتظار.. وكذلك «يعقوب» وهو ابن إسحق، وقد بشّر به إبراهيم كما بشر بإسحاق..
فهو نافلة النافلة، إذ لم يكن إبراهيم يرجو أكثر من أن يكون له ولد..
أما ولد الولد فهو أبعد ما يكون عن توقعه والتطلع إليه، بعد أن بلغ من الكبر عتيّا.