لأنه قدّم ابنه للذبح فعلا، وأضجعه على وجهه، كما تضجع الشاه للذبح! فماذا بقي بعد هذا من دواعى الاستجابة لأمر الله، وإنفاذ ما كلّفه به؟ إنه لا شىء إلا صورة ظاهرية، يرى منها إبراهيم دم ابنه وقد أريق، وروحه وقد أزهق.
وإن كان إبراهيم قد رأى ذلك الدم يراق، وهذا الروح يزهق، رأى ذلك بمشاعره وأحاسيسه، وبما وقع على هذه المشاعر وتلك الأحاسيس من ألم وحزن، تلقاهما إبراهيم بالصبر على المكروه، والرضا المطمئن بقضاء الله وقدره..
فهذه الرؤيا كما رآها إبراهيم مناما، هى الواقع كما وقع مضمونا، وإن لم يكن كما وقع ظاهرا وحسّا.
كذلك رأى النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- أكثر من رؤيا منامية، يختلف واقعها الظاهر عن مضمونها الذي تقع عليه، وإن التقى الظاهر والمضمون آخر الأمر فى الدلالات والآثار..
فقد رأى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- رؤيا منامية ليلة غزوة أحد، رأى ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إنى قد رأيت والله خيرا..»
رأيت بقرا لى تذبح، ورأيت فى ذباب «١» سيفى ثلما، ورأيت أنى أدخلت يدى فى درع حصينة.. فأما البقر فهى ناس من أصحابى تقتلون، وأما الثّلم الذي رأيت فى ذباب سيفى، فهو رجل من أهل بيتي يقتل.. وأما الدرع الحصينة فهى المدينة» .
ورأى- صلوات الله وسلامه عليه- ما رواه أبو سعيد الخدري، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على منبره، وهو يقول:
«أيها الناس قد رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها، ورأيت في ذراعى سوارين،
(١) ذباب السيف: حده الذي يضرب به. والثلم: العطب الذي يلحق حد السيف، والخلل يحدث لأى شىء.