وأطمعكم فى العدوّ، فسرتم إلى لقائه، ولولا هذا لانحلّت عزائمكم، وفترت همتكم و «لفشلتم» أي خفتم وجبنتم، «وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ» فقال بعضكم بقتالهم، وقال آخرون بألّا قبل لكم بقتالهم.. «وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ» إذ أطمعكم فى القوم بعد هذه الرؤيا التي أخبركم النبىّ بها، فلم يقع منكم ضعف عن لقاء العدوّ، ولا تنازع فى الالتحام معه فى ميدان القتال.. «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» أي يعلم ما انطوت عليه الصدور، وما تلبّست به المشاعر.
والسؤال هنا:
هل كانت رؤيا النبي لجيش المشركين فى المنام على هذا الوجه الذي رآه عليها، من القلّة فى الرجال والعتاد- هل كانت هذه الرؤيا تمثل الواقع؟ وإذا لم تكن ممثلة له- كما هو الواضح- فكيف يرى الرسول الأمر على خلاف الواقع؟ ثم كيف يكون شأنه مع ذلك الذي رآه على خلاف واقعه إذا هو رآه رأى العين على ما هو عليه؟ ألا يحدث ذلك انفصالا عنده بين هذا الذي رآه فى منامه، وذلك رآه فى يقظته؟.
والجواب على هذا: أن الرؤيا التي ترى فى المنام ليست هى الواقع فى ظاهره، وإنما هى- إذا كانت صادقة، كما هو الشأن فى رؤياء الأنبياء- هى الواقع فى مضمونه ومحتواه.. وإن كان بين الظاهر والمضمون ما بينهما من بعد بعيد فيما تراه العين منهما..
فالرؤيا الصادقة تمسك من الواقع بأعماقه وصميمه، دون أن تمسك بشىء من ظاهر هذا الواقع!.
فقد رأى إبراهيم عليه السلام فى المنام أنه يذبح ابنه «إسماعيل» ، ومع هذا، فإنه لم يذبحه، بل الذي ذبحه فعلا هو ذبح عظيم، أي كبش، جعله الله فداء لذبح إسماعيل، ومع هذا، فقد صدّق إبراهيم الرؤيا وحقق مضمونها.. وذلك