للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قدّم لها.. وهذا هو الذي أمسك بالمجاهدين فى سبيل الله على حياض الموت، فكتبوا بدمائهم تلك الوثائق الخالدة على الزمن، فى التضحية والفداء.

هذا عن المجاهد مع خاصة نفسه..

ولكن المسلم لا يقاتل وحده، وإنما هو واحد فى جماعة المجاهدين الذين يقاتل معهم، ويستند إليهم، ويستندون إليه..

ومن هنا كان من تمام البناء لتلك القوة التي يلقى بها المسلمون عدوّهم أن يكونوا صفّا واحدا، تمسك به مشاعر واحدة، فلا يتوزعهم الخلاف، ولا يمزق وحدة مشاعرهم النزاع، فذلك أمر إن وقع فى جماعة أذهب ريحها، وحلّ عزيمتها، وأفسد تدبيرها، ومكنّ للعدو منها، مهما كانت القوة التي عليها أفرادها، والبلاء الذي يعطيه كل فرد منها فى ميدان المعركة..

ولهذا جاء قوله تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» - جاء ليشدّ تلك الجماعة بعضها إلى بعض، بعد أن شدّ كلّ فرد فيها إلى موطن العزم والصبر، من نفسه.

ثم إنه لكى يقوم للمسلمين شاهد حسّىّ، يشهد لهم بمفعول هذه الوصاة الكريمة التي وصاهم الله بها، أفرادا وجماعة- فقد أراهم الله ما حلّ بالمشركين من بلاء، وما أصيبوا به من خذلان، وأن ذلك كان لما وقع بينهم من تنازع فى الرأى واختلاف فى الحساب والتقدير..

وقد صحب المشركين هذا التنازع وذلك الخلاف منذ خرجوا من مكة إلى أن التقوا بالمسلمين فى بدر، فكانوا شيعا وأحزابا، لكل شيعة رأيها فى الموقف، وتقديرها له، ولكل حزب حسابه وتقديره.. فكثر فيهم القائلون، بألّا حاجة لهم فى القتال بعد أن سلمت العير، ومن قائل: لا بد من القتال.. ثأرا لكرامة قريش وهيبتها، كما يروى عن أبى جهل حين تنادى بعض المشركين

<<  <  ج: ص:  >  >>