للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالرجوع عن الحرب وقد سلمت لهم العير، فقال: «والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم ثلاثا، فننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا!!» ..

ومن بين هذين الرأيين طارت شرارات الشقاق والخصام، وتناثرت كلمات التلاحي والتنابز، فتحركت فى الصدور عداوات قديمة، وانبعثت من مرقدها فتن كانت نائمة.. وهكذا دخل القوم المعركة، وهم على تلك الحال، من تفرق الكلمة، وتمزق الوحدة، فى الرأى والمشاعر.. وفى هذا يقول الله سبحانه وتعالى محذّرا للمسلمين من أن يكون منهم مثل هذا الموقف، فى لقاء يكون بينهم وبين عدوهم..

يقول الله سبحانه: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» .

فما خرج هؤلاء القوم دفاعا من حق، أو انتصارا لمبدأ، وإنما الذي أخرجهم هو البطر، أي الكبر، والكفر بنعمة الله، ثم ما يحدّث به الناس عنهم من أنهم أولو قوة وأولو بأس شديد، حين يرى الناس منهم ما جمعوا من مقاتلين، وما حملوا من سلاح وعتاد، ثم ما يقع لهم من هذا التدبير الذي دبروه، وهو الوقوف فى وجه تلك الدعوة التي كانت شجّى فى حلوقهم، وقذى فى أعينهم! هذا ما أخرج القوم للقتال، وهذا ما خرجوا له.. ومن أجل هذا كان الخلاف بينهم، والتفرق فى وحدتهم، والتمزق فى مشاعرهم.. كلّ يأخذ الموقف الذي يشبع غروره وكبره، ويشهد الناس منه منزلته فى قومه، وكلمته المسموعة فى رهطه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ» فهذا هو الشعور الذي غلب على رؤساء القوم وأصحاب الكلمة فيهم.. أما عامتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>