ومكر، ونكث بالعهد، ونفاق فيما عاهدوهم عليه.. وأنهم ينقضون العهد الذي أعطوه من أنفسهم للنبىّ.. فى كل مرة يجيئون إليه فيها معاهدين..
وحتى لا يعامل المسلمون أعداءهم بمثل عملهم هذا، وحتى لا يدخل على نفوسهم شىء من هذا الداء الخبيث الذي استولى على نفوس أعدائهم، من نقض العهد، وخيانة الكلمة- حتى لا يكون شىء من هذا فى مجتمع المسلمين، جاءهم أمر الله، فيما أمر به نبيه، ورسم له فيه أسلوب العمل، الذي يعامل به هؤلاء الناكثين للعهد.. فقال سبحانه:«وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ» .. أي إن استشعرت خيانة من قوم بينك وبينهم عهد، وتوقعت أن ينكثوا هذا العهد على غرّة، دون أن يؤذنوك بنكثه، والتحلل منه، فلا تفعل فعلهم، ولا تنقض العهد منهم فى خفاء بينك وبين نفسك، كما يفعلون، بل أنذرهم بذلك، وأعلمهم إياه، «على سواء» أي على وضوح كامل، بصريح اللفظ، دون التلويح به.. وذلك ليكونوا على بيّنة من أمرهم، فلا يدخل فى حسابهم بعد هذا، العهد الذي بينك وبينهم، وبهذا يسقط العهد من هذا الحساب، ويعدّون أنفسهم للحرب، كما أعدّ النبي والمسلمون أنفسهم لها.
قوله تعالى:«وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا.. إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ» هو تطمين لقلوب المسلمين، ودفع لوساوس الخوف، التي تطرقهم وهم يعطون من أنفسهم الوفاء لعدوهم بالعهد الذي بينهم وبينه، على حين أنه يغدر بهم، ويباغتهم بهذا الغدر، فكيف يحاربهم العدو بسلاح ثم يحرم عليهم محاربته بهذا السلاح؟ فليطمئن المسلمون، وليعلموا أن هؤلاء الذين خانوا العهد، لم يسبقوا بتلك الخيانة إلى أخذ فرصة فى المسلمين، لأنهم- وقد فعلوا ما فعلوا من خيانة- قد تعرضوا لبغض الله وغضبه. «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ» وحسبهم هذا خسرانا وبلاء!