إذ الثّقاف هو من يتولّي إصلاح الرماح، وتقويمها، بما يقتطع من أجزائها، وأطرافها، وبما يسوّى من نتوئها..
فالحرب فى الإسلام أشبه بالثّقاف للرماح، غايتها الإصلاح، والتقويم، ولكن الحرب هنا مع هذا الصنف من الناس، الذين يغدرون بالنبيّ، وينصبون المكايد له بالخديعة والختل، إذ يجيئون إليه موادعين مسالمين، ثم ينقلبون ذئابا محاربين- هؤلاء، لا يرجى لهم إصلاح، ولا يتوقع منهم خير «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» أبدا.. وإذن فليس لهم إلا الضربة القاضية، التي لا تبقى منهم على دار ولا ديّار، حتى يكونوا فى ذلك عبرة لغيرهم.. «فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» أي فرّق بهذا الذي تأخذهم به من بلاء ونكال، كلّ مجتمع للضلال وتبييت السوء للمسلمين، ممن ينتظرون ما وراء كيد هؤلاء الكافرين بالمؤمنين.
فكلّ من تحدثه نفسه بخيانة عهد المسلمين من بعد تلك الضربة التي نزلت بهؤلاء الخائنين- سيجد أمام ناظرية مثلا حيّا لما ينتظره من بلاء ونكال فى هذا الذي أخذ به هؤلاء القوم، وبهذا تنحلّ عزائم الذين يدبرون الشرّ للمسلمين، ويتشتت جمعهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .. إذ الضمير فى كلّ من «لعلهم» و «يذكرون» راجع إلى هؤلاء الذين يأتون بعد هؤلاء الذي نكّل بهم النبىّ وضربهم الضربة القاضية.. ففى الضربة التي حلت بهؤلاء موعظة وذكرى لهؤلاء الذين لم يظهروا بعد على طريق الغدر والخيانة! قوله تعالى:«وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ» هذه الآية تكشف عن وجه مشرق وضيء من وجوه الإسلام- ووجوه الإسلام كلها مشرقة مضيئة- فى رعاية العهد وحفظه والوفاء به.
لقد أشارت الآية السابقة إلى ما يدبر أعداء الإسلام للمسلمين من كيد،