وهذا يعنى أن الآية الثانية جاءت ناسخة للحكم الذي تضمنته الآية الأولى..
والذي نقول به- والله أعلم- أن الآيتين محكمتين، لا نسخ فيهما، ولا تناسخ بينهما.. وذلك أن الحكم الذي تضمنه الشرط فى الآيتين وارد فى صيغة الخبر، والمعروف عند الذين يقولون بالنسخ، أنه لا تناسخ بين الأخبار ولا يرد هذا قولهم: إن الخبر يراد به الأمر هنا، فهذا القول منهم لا حجة لهم عليه، إلا القول بأن الآيتين متناسختين، وذلك يقضى بأن يكون الحكم فيهما واردا فى غير خبر.. فلزم لذلك أن يخرج الخبر عن معناه إلى معنى الطلب..
فالحجة على النسخ، هى القول بالنسخ.. وإذن فلا حجة! ومن جهة أخرى.. فإن القول بالنسخ يقضى بأن يكون بين الآيتين- الناسخة والمنسوخة- مسافة زمنية، بحيث يكون لتغيّر الحكم ونسخه بحكم آخر مقتض اقتضاه تغيّر الحال بامتداد الزمن.. وليس هناك دليل يدل على أن فارقا زمنيا وقع بين نزول الآيتين.. بل ظاهر الآيتين ينبىء عن أنهما نزلتا معا فى وقت واحد.. وقد قيل إنهما نزلتا فى غزوة بدر، وقيل قبل بدء القتال.. وهذا قول يقول به القائلون بالتناسخ بين الآيتين ويقررونه! فالآية الأولى:«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ، إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ..» هذه الآية هى إخبار عن حال المؤمنين فى الوقت الذي خوطبوا فيه بها، وأنهم يحملون من طاقات القوى الروحية والنفسية بما فى قلوبهم من إيمان وتقوى، بحيث يغلب الواحد منهم عشرة من الكافرين.. إذا حقّق معنى «الصبر» الذي هو قيد للشرط.
هذا ما سمعه المسلمون يؤمئذ من خطاب الله سبحانه وتعالى لهم، فانكشف لهم منه ما أودع الله فيهم- بسبب إيمانهم- من تلك القوى العظيمة التي