يجدونها معهم، وفى هذا ما يريهم فضل الله عليهم، وتكريمه لهم، وأنهم موضع لرحمة الله، ومغرس كريم لآلائه ونعمائه..
وتلك نعمة جليلة من نعم الله، وبشرى مسعدة مما يبشر الله به عباده المؤمنين.. ومن تمام هذه النعمة، وكمال هذه البشرى أن تتبع النعمة بنعمة، وأن ترفد البشرى ببشرى، وهذا ما جاءت به الآية الكريمة بعد هذا:
«الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» وهذا الخبر الذي تلّقّاه المسلمون من هذه الآية هو خبر على حقيقته، لم يقصد به الأمر، بأن يكلّف المسلم التغلب على اثنين من الكافرين بدلا من عشرة.. بل إن هذا الخبر يثير فى نفس المسلم شعورين:
أولهما: الإحساس بأنه وإن كان فى كيانه من القوّة ما يقوم لعشرة من الكافرين، فقد عرضت له عوارض من خارج نفسه، قد أخذت من تلك القوة لحسابها، حتى تتوازن، وتحتفظ بأدنى مستوى من القوة يكون عليها المؤمن فى قتاله للكافرين..
ذلك أن هذا الضعف الذي ورد على المسلمين لم يكن مؤثّرا على تلك الجماعة التي التقى بها الإسلام على أول الطريق، والتي آمنت به إيمانا اشتمل على وجودها كلّه.. فهذه، الجماعة لم تزدها صحبتها للإسلام إلّا قوة إلى قوة، ويقينا إلى يقين.. وإنما جاء الضعف إليها مع أولئك الذين دخلوا فى دين الله أفواجا، فآمنوا كما آمن الناس، متابعة لرؤسائهم وأصحاب الكلمة فيهم، دون أن يتعرّفوا إلى الإسلام، وأن يخلطوا أنفسهم به، ويضيفوا وجودهم إليه..