وهذا هو السرّ أيضا فى أن حساب المؤمنين كان فى أول الأمر محصورا فى أعداد قليلة.. عشرين ومائة، على حين كان بعد ذلك مدلولا عليه بالمئة والألف.. إذ كانوا فى الأول أعدادا قليلة فى مجموعهم، ثم تضاعفت هذه الأعداد، فكانت ألوفا ألوفا..
وثانى الشعورين اللذين يجدهما المسلم من قوله تعالى:«الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ... » - أنّه على أية حال يكون عليها المسلمون- فى مجموعهم- من الضعف، فإنهم أرجح كفّة من عدوّهم فى مجموعه، وأن جماعتهم المقاتلة تغلب الجماعة المقاتلة لها ولو كانت مثليها فى العدد.. وهذا ميزان المسلمين المقاتلين دائما، فى أي حال، بل وفى أسوأ حال.. لأنهم إنما يقاتلون فى جبهة الحق، ومن أجل قضية الحقّ.. وهذا من شأنه أن يقيم فى كيانهم شعورا بأنهم إنما يقاتلون لله، وفى سبيل الله، لا لأنفسهم، ولا لدنيا يريدونها.. فهم- والحال كذلك- جند من جند الله ... يمدّهم الله بعونه، وتأييده، ونصره..
وهذا ما يشير إليه تعالى، فيما كان عليه المؤمنون والمشركون فى غزوة بدر، إذ يقول سبحانه:«قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ»(١٣: آل عمران) .
وعلى هذا، فإن قوله تعالى:«الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ» ليس مرادا به رفع حكم كان واقعا على المؤمنين، ملزما لهم، حيث كان الواحد منهم مطالبا بقتال وقتل عشرة من العدو، ثم أصبح مطالبا بقتال وقتل اثنين- بل إنه إلفات للمسلمين إلى ما أمدهم الله سبحانه وتعالى به من أنصار وأعوان، حين كثّر أعدادهم، وأنهم الآن ليسوا هم وحدهم الذين يحملون عبء الدفاع عن الدعوة الإسلامية، فى وجه عدو يملأ وجه الأرض حولهم، فقد كثرت