وقد استشار النبىّ أصحابه فى شأنهم، إذ لم يكن قد جاءه أمر سماوى فيهم، فاختلف الصحابة فى المعاملة التي يعاملونهم بها.. فقال بعضهم بقتلهم، وذلك ليكونوا عبرة لغيرهم، وتوهينا لشوكة المشركين، بالقضاء على القوة العاملة فيهم، إذ كان هؤلاء الأسرى وجوه القوم وسادتهم.. وينسب هذا الرأى إلى عمر ابن الخطاب، وعبد الله بن رواحة- رضى الله عنهما.. وقال بعض الصحابة باستبقائهم وأخذ الفدية منهم، إبقاء على أواصر القربى، وإعانة للمسلمين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، بما يؤخذ منهم فدية.. وينسب هذا الرأى إلى أبى بكر الصديق.. رضى الله عنه.
وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلّم بالرأى القائل باستبقاء الأسرى وقبول الفدية منهم..
ثم أخذ- صلوات الله وسلامه عليه- الفدية من بعض الأسرى، ثم كان لا يزال ينتظر ما فرض على بعضهم منها، حين نزل قوله تعالى:«ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» ..
والإثخان فى الأرض: التسلط عليها والتمكن منها بالقوة.. يقال أثخن فلان أي جرح فى القتال جرحا شلّ حركته، وأبطل عمله فى الحرب، ومنه قوله تعالى:«فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها»(٤: محمد) وفى توجيه الخطاب إلى النبىّ توجيها غير مباشر فى قوله تعالى «ما كانَ لِنَبِيٍّ» تكريم ربانىّ للنبىّ الكريم، إذ لم يوجّه إليه سبحانه الخطاب فى صيغة محددّة، مباشرة هكذا.. «ما كان لك أيها النبي» مثلا..