وفى توجيه اللوم إلى المؤمنين بقبول الفدية فى قوله تعالى:«تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا» تكريم بعد تكريم لمقام النبىّ، وعدم مواجهته بما يسوؤه..
والعرض: خلاف الجوهر، وعرض الدنيا، متاعها الزّائل.. والدنيا كلّها عرض زائل بالنسبة للآخرة.
وفى قوله تعالى:«لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» عتاب للنبىّ والمؤمنين، على ما كان منهم من قبول الفدية، وأنهم ما كان لهم أن يقبلوا فدية من هؤلاء الأسرى، بل كان ينبغى أن يكون حكمهم فيهم هو القتل.. لأنهم كانوا فى أول صدام لهم مع المشركين، وكان مكانهم فى الأرض لا يزال قلقا مهددا بقوى البغي المسلطة عليهم..
فكان من التدبير أن يضعفوا عدوّهم بقتلهم، ما أمكنتهم الفرصة فيهم، حتى تتراخى يد العدوّ عنهم، وتثبت أقدامهم على الأرض.. وعندئذ يجوز لهم أن يبقوا على الأسرى، وأن يقبلوا الفدية منهم..
ومن جهة أخرى، فإن المسلمين كانوا مع أول تجربة ذاقوا فيها طعم النصر على العدوّ، فلا ينبغى أن يكون أول ما يطعموه من هذا النصر هذا العرض الزائل، فذلك من شأنه أن يجعل للمغانم سلطانا على نفوسهم فى حربهم للعدوّ، الأمر الذي كان من تدبير الحكيم العليم معهم، أن يحرمهم منه أول الأمر، إذ جعل أنفال معركة بدر كلّها ليد النبىّ، يضعها حيث يشاء.
والسؤال هنا: هل من إنسانية الإسلام أن يقتل الأسرى، ويعمل فيهم السيف، وقد صاروا ذمّة فى يد المسلمين؟
والجواب على هذا: أن ذلك كان فى أول معركة من معارك الإسلام،