وأن هؤلاء الأسرى كانوا- فى جملتهم- معروفين للنبىّ والمسلمين، بكيدهم للإسلام، وعدوانهم على المسلمين، وتنكيلهم بهم حتى أخرجوا من ديارهم وأموالهم.. فهم- والحال كذلك- واقعون تحت حكم المفسدين فى الأرض، المحاربين لله ورسوله، وفيهم يقول الله تعالى:
«إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(٣٣- ٣٤: المائدة) وقد أهدر النبىّ دم بعض المشركين الذين كانوا على تلك الصفة، فقتل اثنين من الأسرى، صبرا، وهما عقبة بن أبى معيط، والنضر بن الحارث.
والكتاب المشار إليه فى قوله تعالى:«لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» - هو ما قضى الله به سبحانه وتعالى فى سابق علمه، وهو العفو عن الذنب إذا لم يكن قد جاء حكم إلهى بتحريمه، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى:«وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ»(١١٥: التوبة) .
ولهذا جاء قوله تعالى بعد هذا العتاب، حاملا الصفح الجميل، مزكّيا ما فعله النبىّ والمؤمنون، فقال سبحانه:«فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً» فهو الحلال الذي لا حرمة فيه، الطيّب الذي لا خبث معه.. وكان هذا إيذانا للنبىّ صلى الله عليه وسلم بأن يمضى فيما قضى به فى شأن الأسرى، وأن يقبل فداء من لم يأخذ منه فدية بعد، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ