السابقة، هى تجربة قاسية، تعالج منها النفس الشيء الكثير، من الضيق والألم، إلّا من عصم الله من عباده المؤمنين.. ولهذا جاء قوله تعالى:
«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ» - جاء قوله سبحانه وتعالى فى هاتين الآيتين، مذكّرا المسلمين بعظمة الله وقدرته، وفضله على المؤمنين من عباده.. وفى هذا ما يخفّ به ميزان كل شىء يتعلّق به الإنسان، من أهل ومال وموطن.. وبذلك يشتدّ عزم المؤمن، ويقوى يقينه، فيجد القدرة من نفسه على أن يجلى عنها كل ما يطوف حول إيمانه بالله ورسوله والجهاد فى سبيل الله، من دواعى الوهن والضعف، حين تطلع عليه الذكريات لأهله وماله ووطنه.
فلقد أيد الله المؤمنين، وأمدّهم بنصره فى مواطن كثيرة.. فى بدر، وفى الخندق، وفى فتح مكة.. وفى حرب اليهود، فى خيبر، وفى المدينة..
ثم فى يوم حنين.. وقد كان المسلمون في عدد عديد، وعدّة ظاهرة، حتى لقد قال قائلهم:«إننا لن نغلب اليوم من قلّة» فقد كانوا فى اثنى عشر ألفا، بين راجل وفارس..
ومع هذا، فإنه ما كاد المسلمون يلتقون بهوازن فى وادي حنين قرب مكة، حتى ولّوا مدبرين، وانكشف رسول الله للعدو، ولم يثبت معه إلا عدة من ذوى قرابته، منهم علىّ بن أبى طالب، والعباس بن عبد المطلب، ونفر قليل من المؤمنين..