والذي كان يرصد المعركة فى تلك اللحظة ما كان يشك أبدا فى أن الدائرة على المسلمين، وأن الهزيمة واقعة بهم، لا محالة..
لقد تبدّد جيش المسلمين، وتناثرت جموعهم، وذهبت ريحهم، وما كان لقوة فى الأرض أن تجمع هذا الكيان الممزق، وأن تبعث فيه الحياة والقوة من جديد..
ولكن أمداد السّماء، ونفحات الحق، جاءت فى وقتها، فأحالت الهزيمة نصرا حاسما.. «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ» وفى هذا يرى المسلمون أن القوة لله، وأن النصر والعزّة للمؤمنين، وأن البلاء والخزي على الكافرين..
فمن أراد النصر والعزّة.. فلا مبتغى لهما، ولا سبيل إليهما، إلا بالإيمان، ومع المؤمنين.
ومن رغب عن الإيمان، وآثر عليه الأهل والمال، فلن يلق إلا الذّلة والهوان..
وفى قوله تعالى:«ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» استدعاء لمن خذلتهم عزائمهم، وتخلى عنهم السداده والتوفيق، فمالوا إلى جانب الضالين والمشركين.. فهؤلاء لا يزال الطريق إلى الله مفتوحا لهم، ولا زالت رحمة الله ومغفرته تنتظرهم على أول الطريق، إن هم راجعوا أنفسهم، ونزعوا عما هم فيه من تردد وارتياب! وهنا وقفة لا بد منها مع «ثمّ» وهو حرف عطف للترتيب والتراخي..