من كلام رب العالمين.. فلم يكن كفرهم بالله وتكذيبهم لرسول الله إلا عن عناد واستكبار، وإلا عن حمية جاهلية.. فكان أن أخذهم الإسلام بهذا الحكم إذا هم وقعوا ليد المسلمين: إما الإسلام، وإما القتل، ولا ثالث..!
فمثل هؤلاء الذين يشهدون الحقّ، ويرون آياته رأى العين، ثم لا يتبعونه، ولا يفتحون عقولهم وقلوبهم له- مثل هؤلاء، ينبغى أن تهدر آدميتهم، وأن تقام عليهم هذه الوصاية، التي تأخذهم بهذا الحكم الملزم.
أما مشركو العجم والمجوس، ممن لا كتاب معهم، فإنه لم يستبن لهم على وجه القطع من دلائل النبوة، وصدق الرسول ما استبان لمشركى العرب، فكانوا لهذا أقرب إلى أن يلحقوا بأهل الكتاب، وأن يدخلوا فى تلك التجربة التي يدخلها أهل الكتاب- من أن يلحقوا بمشركى العرب..
أما من يؤدون الجزية ممن يدخلون فى حكمها، فقد اختلف الأئمة فيهم..
فبينما يرى مالك والأوزاعى أنها تؤخذ من جميع الواقعين تحت حكمها فردا فردا، إذ يرى أو حنيفة أنها لا تؤخذ من امرأة، ولا صبّى، ولا زمن، ولا أعمى..
ورأى أبى حنيفة أقرب إلى سماحة الإسلام، وإلى مرامى أهدافه البعيدة.
فى تأليف القلوب، ودعوتها إليه بالتي هى أحسن.
وأخذ الجزية من أهل الكتاب، وأداؤهم لها على هذا الوجه الذي يؤدونها عليه فى ذلة وصغار هو فى الواقع ليس عن دافع من التعالي والكبر من المسلمين، وإنما هو إثارة لدوافع الإنسانية عند هؤلاء الذين يؤدون الجزية، ولتحريك الرغبة فيهم إلى الخلاص من هذا الوضع المشين، وذلك بمراجعة معتقدهم.. من جهة، والنظر فى وجه الدعوة التي يدعوهم الإسلام إليها.. من جهة أخرى.. وهذا إن فعلوه فإنه لا بد أن يصحح عقيدتهم، ويفتح عقولهم وقلوبهم