وفى قوله تعالى:«حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» إشارة إلى علوّ يد المسلمين، وتمكنهم من عدوّهم، بما لهم من بأس، وقوة..
وهذا يعنى أن يحتفظ المسلمون دائما بتلك القوة التي مكّنت لهم، وإلا كان عليهم أن ينزلوا عن هذه المنزلة التي هم فيها، فإنهم إن لم ينزلوا عنها طائعين، نزلوا عنها مكرهين.. بل وربما تحولت الحال، فكانوا تحت يد من كانوا تحت يدهم! فالمراد باليد هنا، القوة والقدرة، التي يعلو بها المسلمون على غيرهم.
والقوة التي يعتمد عليها المسلمون، تقوم دعائمها أولا وقبل كل شىء، على الإيمان بالله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.. فإذا حقق المسلمون حقيقة الإيمان فى قلوبهم، مكّن الله لهم من كل أسباب العزة، والقوّة، وملأ أيديهم من خير الدنيا والآخرة جميعا، وأقامهم فى هذه الدنيا مقاما كريما، وجعل كلمتهم العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى! فليس المراد بقوله تعالى:«وَهُمْ صاغِرُونَ» تحريضا للمسلمين على امتهان أهل الذمة وإذلالهم، بقدر ما هو تحريض للمسلمين على اكتساب القوة والاحتفاظ، بها حتى لا يكونوا يوما فى هذا المنزل الذليل المهين، الذي ينزله المغلوب على أمره بها، النازل على حكم غالبه.. فهذا هو واقع الحياة، وتلك هى سنة الله فى خلقه.. الغالب متحكم متسلط، والمغلوب مقهور مهين.. وإذا كان هناك من المبادئ الخلقية، أو المواضعات السياسية، ما يخفف من هذا المبدأ العامل فى الحياة، فإن سماحة الإسلام، وإنسانية شريعته، قد كان لهما فى هذا الباب ما لا يمكن أن يلحق بغباره القوانين الدولية، أو المنظمات الإنسانية.. ذلك أن دعوة الإسلام إلى التسامح، والرفق، والإخاء، دعوة مشدودة إلى ضمير الإنسان، موصوله بإيمانه بالله، بحيث لا يكمل إيمانه إلا بها.. أما ما تحمله القوانين الدولية، وما تنادى به المنظمات الإنسانية، فلا يعدو أن يكون مجرد نصائح ووصايا،