وإنما ذلك، لهذا الخلاف البعيد الذي بينه وبين الدّين الذي ينظر فيه، ويدعى إلى الإيمان به.
ولا تحسبنّ أن هذا العقل «العصرى» الذي بعد عن الدين هذا البعد- قد اطمأنّ إلى تلك الحياة التي يحياها بلا دين..
وكلّا، فالإنسان متديّن بطبعه، والدين مطلب من مطالب الإنسان، على أي مستوى من مستويات الإنسانية، كان عقله، وكان علمه..!
فالإنسان البدائى، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو، والفارابي، وابن سيناء، وابن رشد، هم سواء فى الحاجة إلى الدين، وإلى تصور المعتقد الديني، الذي يرضيهم، ويغذّى عاطفتهم، ويروى الجدب الروحي الذي يجده الإنسان- أي إنسان- إذا هو بات ليلة أو بعض ليلة على غير دين! والملحدون الذين تعجّ بهم الدنيا فى الغرب والشرق، هم أكثر الناس ظمأ إلى الدين، وتطلعا إليه، وبحثا عنه، ووسواسا به.
وليست هذه المذاهب التي يعيش فيها الماديون، من طبيعية، ووجودية، وغيرها، إلا سعيا وراء الدين، وإلا ملأ لهذا الفراغ الديني الذي يجدونه فى كيانهم، ولا يجدون الدين الحقّ الذي يملؤه! وهم فى هذا معذورون.. وإلا فماذا يمنع الجائع الذي لا يجد الطعام الطيب الذي يسد جوعه، إذا هو مد يده إلى الخبيث الذي تعافه النفوس من الطعام وتستقذره؟ إن هذا من ذاك سواء بسواء! والشبهة الثانية، هى: هل الدين الإسلامى دين يحمل فى كيانه من الحقائق ما يتقبله العقل «العصرى» ، ويجد فيه شيئا يمسك به، ويقيمه على منطقه؟
وكيف تدّعى للإسلام هذه الدعوى، وهذه ثمراته ظاهرة فى أهله الذين