وقوله تعالى «الْوَصِيَّةُ» هو نائب فاعل للفعل: كتب عليكم، أي فرض عليكم الوصية للوالدين والأقربين إذا حضر أحدكم الموت.
وقوله تعالى «بِالْمَعْرُوفِ» هو ضبط للمعيار الذي تقوم عليه الوصية، فلا يتحكم فيها هوى، فتميل بجانب، وتخفّ بجانب، أو أن يراد بها الكيد لا البرّ..
وهذه الآية مما قيل إنها من المنسوخ، وأنها نسخت بآية المواريث! ونحن لا نقول بالنسخ، ولا نراه فى تلك الآية الكريمة..
فهى برّ خاص بالوالدين، اللّذين قد لا يقوم الميراث بحاجتهما، وخاصة إذا كانا قد تقدمت بهما السنّ، وخلا ظهرهما من الابن الذي كانا يأملانه لكفالة شيخوختهما! وإذا كان ما فرضه الله سبحانه وتعالى لهما من ميراث فيما ترك ابنهما هو القدر الذي قضت به الشريعة، كنصيب مفروض لهما، فإن ذلك لا يقضى بحرمانهما من برّ خاص يجىء من قبل الابن، أو الابنة، وهما فى حال الحياة، ومن قبل أن يصير ما فى أيديهما خارجا عن سلطانهما، ملكا لغيرهما..
وليس تأخير الوصية والبر الذي تحمله إلى ما بعد الوفاة- بالذي يخرجها عن كونها برّا خاصّا، جاء من عمل ابنهما أو ابنتهما، وعن إرادتهما.. فإذا عرفنا- مع هذا- أن الوصية محددة القدر، وأنّها، لا تتجاوز بحال ثلث التركة- كان القول بنسخها قطعا لآصرة المودة والبر بالوالدين، هذا البرّ الذي يرى فيه الولد- وقد أحسّ دنوّ أجله- شيئا من العوض عما فاته من برّ والديه، وقد قضى الموت قضاءه فيه قبلهما، ثم إن هذا البرّ قد يكون شيئا رمزيّا، لا يراد به إلا التعبير عمّا للوالدين من حقّ قبل ولدهما، إذ لم يكن ما يوصى به مقدورا بقدر معيّن من المال! هذا فى الوصية للوالدين..