ثمّ، أي دين هذا الدّين الذي يدخل فيه الناس قهرا وقسرا، تحت حكم السيف؟ وهل مثل هذا الدّين يعمر قلبا أو يمسّ وجدانا؟ وإذا ساغ أن يقبل مثل هذا فى دعوة سياسية أو اجتماعية، فلن يقبل فى دين تدعو إليه السماء، وإذا قبل فى دين سماوىّ لمجتمع من المجتمعات لفترة محدودة، ولمجتمع محدود، فلن يقبل فى الإسلام، دين الحياة الإنسانية كلها، فى امتداد أزمانها، وفى اختلاف أممها وشعوبها.. وذلك ما يكشف عنه قوله تعالى لنبيّه الكريم:
ثم أين هى التقوى التي يدعو إليها الله سبحانه وتعالى فى قوله:«وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» إذا كان المسلمون حربا على الناس من غير أن يؤذنهم أحد بحرب؟.
قوله سبحانه:«إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» تكشف هذه الآية عن عبث المشركين بحرمات الله، والاستخفاف بها، والاحتيال على خداع أنفسهم بتزيين الباطل، وإلباسه لباس الحق.. وهذا إنما كان منهم لتصورهم الفاسد للألوهية، وفهمهم السقيم لجلال الله وعظمته وعلمه، والنزول به- سبحانه وتعالى- إلى مستوى آلهتهم التي يعبدونها، ويتعاملون معها بالمكر والخداع! فقد كان المشركون فى الجاهلية يحرمون هذه الأشهر الحرم، التي هى بعض البقية الباقية لهم من شريعة إبراهيم، التي كانوا يدينون بها، ثم أدخلوا عليها من