يد صاحب الرسالة- صلوات الله وسلامه عليه- لم يخرج عن هذا الخط الذي حدّد مسيرتها قوله تعالى لنبيّه الكريم:«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(١٢٥: النحل) وقوله سبحانه:
وهذه الآيات، وأمثالها من الآيات المحكمات، التي قامت على أساسها صلات المسلمين فيما بينهم وبين المجتمعات الإنسانية التي لم تدخل فى الإسلام، سواء ما كان منها فى ذمة المسلمين، أو كان فى دار الحرب، أو خارج هذه الدار.
وكيف يكون من مفاهيم الإسلام أن يكون حربا على الناس من غير أن يبدءوا أتباعه بحرب؟ ألا يكون هذا عدوانا مما نهى الله عنه، فى أكثر من آية من آيات الكتاب الكريم؟ وبأى تأويل يتأول القائلون بالحرب العامة على المجتمع الإنسانى، قوله تعالى:«وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» ؟ (١٩٠: البقرة) .
إنه لا تأويل، ولكن القول بالنسخ، وإبطال حكم هذه الآية وغيرها، هو الحجة القاطعة عند القائلين بالحرب العامة الشاملة على كل من لا يدخل فى الإسلام!! ومع هذا فإن القول بنسخ الآيات التي تعارض آية السيف، أو آيات السيف- كما يسميها أصحاب هذا الرأى- ينقضه قوله تعالى. «حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» .. فإن قبول الجزية ممن تقبل منهم الجزية بعد أن ينزلوا على حكم السيف- لا يجعل منهم مسلمين، بل هم مشركون أو كافرون، ولا تزال آيات السيف مسلطة عليهم.. فهل من أجل هذه الجزية، التي يحتفظ معها غير المسلم بدينه- تنسخ عشرات الآيات الداعية إلى السلام والموادعة، لتفسح المجال للسيف وآية السيف أو آيات السيف؟