على أن ينظروا إليه، ويتعقلوه، ويتدبروا آياته.. «فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ»(١٣٧: البقرة) .. ذلك أنه ليس من الخير للإنسان فى نفسه أن يدين بدين لا يعرضه على عقله، وينظر فيه بنفسه، ويجد فيه داعيا مسمعا يدعوه إليه، وعاطفة قوية تعطفه عليه.. فإنّ دينا يدخل على الإنسان من غير هذا الطريق- طريق النظر والاقتناع-، لا يكون له سلطان مؤثّر فى سلوك الإنسان، وفى انتفاعه بما يحمل هذا الدين من عقيدة أو شريعة..
هذا، ويرى كثير من الفقهاء أن نظرة الإسلام إلى هذا الصنف من ضعاف الإيمان الذين تألفهم الإسلام بالعطاء- إنما كان ذلك فى أول الإسلام، حيث حاجة المسلمين إلى من يكثّر جمعهم، ويسند ظهرهم من الرجال.. ولكن لمّا قويت شوكة الإسلام، وكثرت أعداد المسلمين لم يكن ثمة داع يدعو إلى عملية التأليف هذه، فقد تبيّن الرشد من الغى.. فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وإن الله لغنىّ عن العالمين..
وعلى هذا، فقد أسقط القائلون بهذا الرأى فريضة المؤلّفة قلوبهم، من الزكاة، بعد أن قوى الإسلام، كما أسقطوا فريضة من فى الرقاب، وهم الأرقاء المكاتبون، بعد أن انتهى الرقّ.
والذي نراه، أن تأليف القلوب، وشدها إلى الإسلام، والعمل على تعاطفها معه، أمر لازم للدعوة الإسلامية فى حال ضعف المسلمين وقوتهم على السواء.
فتأليف القلوب على الإسلام، وقتل ضغنها عليه، وشنآنها له- هو تدبير حكيم، وسياسة رشيدة، لا تستغنى عنها دعوة جاءت لهداية الناس، وخيرهم، وإسعادهم..